بقلم:أنيس بوجواري
لطالما كان هناك خلاف واضح سينمائيآ بين الفيلم التجاري الجماهيري وبين الفيلم الفني والذي يطلق عليه لقب فيلم ” المهرجانات “,وهو مصطلح اختلقه فئة من رواد السينما الرافضيين لتلك
الفصيلة من الأفلام السينمائية، حيث اذكر جيدا انه في أحد المرات من عرض فيلم سينمائي حقق نجاحات في المهرجانات الدولية واقتنص العديد من الجوائز , لكن اثناء عرضه في دور العرض فوجئت بقلة الحضور وانسحابهم واحدآ تلو الآخر بدعوى أنه فيلم ممل للغاية , كما اذكر جيدآ أنه استمر في أحدى تلك الأفلام مشهد لتناول ابطال الفيلم لوجبة الغذاء دون أي كلام لمدة الخمسة عشر دقيقة , الأمر الذي كان شديد الرتابة والملل , ولكن لجنة التحكيم رأت أن ذلك من عناصر المصداقية والواقعية ونال الفيلم العديد من الجوائز !!
وعلى خط موازي فإن هناك فئة كبيرة من رواد السينما مستاءة بشدة من فكرة الفيلم التجاري
كونها ترى أنه فيلم سطحي أجوف خالي من أي معايير أو جودة سينمائية مهمآ كان أبطاله أو صناعه!!
وأصبح ذاك النزاع قائمآ إلى ان رأينا مجموعة لابأس بها من الأفلام التي استطاعت أن تقضي على الخلاف القائم , حيث جمعت تلك الأفلام بين جودة الفيلم السينمائي فنيآ بين السيناريو المنضبط والإخراج المتقن وبين أداء الممثلين المميز وبين أهم شيئ مفقتد وهو الإيقاع السينمائي المشوق , فالسينما ماهي إلا مزيج بين شيئان مهمان ” واقعية وتشويق”
فالواقعية تنبع من طبيعة الفيلم وموضوعه أيآ كان تصنيفه اجتماعيا او دراميآ او كوميديآ او سياسيآ او حتى ينتمي لفئة الرعب
والتشويق نابع من كون الإيقاع مشدود منذ اللحظات الأولى للفيلم،حيث ان الجمهور العربي تحديدآ أصبح مؤخرآ مطلعا على كل الألوان السينمائية من دول مختلفة حتى تلك التي تم انتجاها في دول شرق اسيا او حتى الأفلام التشيكية والسويدية وخلافه
ومع ظهور جيل جديد من المخرجين والمؤلفين الأكثر إدراكآ للموقف قدم مجموعة منهم أفلامآ ناجحة فنيآ وجماهيريآ
فعندما تشاهد تجربة الفيلم السوداني ” ستموت في العشرين ” والذي شهد عودة السينما السودانية بعد غياب قرابة العشرين عاما عن الساحة وعن المنافسة، وهو فيلم للمخرج أمجد أبو العلاء وسيناريو وحوار امجد أبو العلاء ويوسف إبراهيم
ستجد نفسك منذ الدقيقة الأولى في حالة من الانبهار والتشبت بالكرسي الذي تجلس عليه حتى الدقيقة الأخيرة من الفيلم، فالفيلم له سحر خاص بداية من العالم والخصوصية التي يتحدث عنها وبين اختيار المكان والزمان وبين اقتحام دهاليز فئة خاصة من المجتمع السوداني، مرورا بالفكرة العامة التي باشر المخرج في تقديمها مبتعدآ عن فكرة الملل والإسهاب والتطويل , وحقق الفيلم الموازنة الصعبة بين الإقبال الجماهيري وبين التمسك باللغة السينمائية الجذابة والفنية
فحقق جوائز عدة بين مهرجانات دولية وعربية مثل ” جائزة الإخراج من مهرجان البندقية السينمائي، جائزة التنايت من مهرجان قرطاج السينمائي، جائزة النجمة الذهبية من مهرجان الجونة السينمائي ” وغيرها من الجوائز
لتظهر لنا فيما بعد تجرية سودانية أخرى في السينما شديدة النجاح والمتعة والخصوصية وهو فيلم ” وداعا جوليا ” للمخرج محمد كردفاني والذي تنبأ من خلال الفيلم بويلات الحرب في السودان وفكرة الانقسام بين الشمال والجنوب السوداني في اطار سينمائي بليغ وأداء تمثيلي محترف للممثلتان “ايمان يوسف وسيران رياك” مما أدى لحصول الفيلم لخمسين جائزة دولية في مهرجانات عدة والمفاجأة أنه حقق إيرادات كبيرة خصوصا في مصر وهو امر غير اعتيادي ان يحقق فيلم عربي ” غير مصري” إيرادات في مصر
وبالانتقال للسينما الأردنية فسنجد نموذجآ متكاملآ للفيلم الجماهيري الفني في آن واحد من خلال فيلم ” ذيب ” وهو فيلم للمخرج ناجي أبو نوار ,فالفيلم الذي تدور احداثه في احد الصحاري والذي بطله يعتبر طفلآ صغيرآ استطاع أن يكسر حاجز الملل من خلال سياق احداث يحبس الأنفاس ومن خلال لغة سينمائية بالغة بالانغماس في الحياة البدوية في الأدرن الأمر الذي جعل الفيلم يصل لترشيحات قصيرة في جوائز الأوسكار وتحقيقه إيرادات كبيرة في سوق السينما الأردنية والتي كانت في السباق خجولة التواجد !!
أما بالنظر للسينما المصرية والتي تعد السينما العربية الأكثر رواجآ ونجاحآ فمؤخرآ كانت هناك تجربة فريدة من نوعها تجمع بين المزيج السينمائي والجماهيري من خلال فيلم ” رحلة 404″
للمخرج هاني خليفة والمؤلف محمد رجاء
فالفيلم استطاع منذ اول أيام عرضه تحقيق إيرادات كبيرة وضخمة رغم خلوه من التتبيلة الجماهيرية وتقديمه لفكرة التوبة والرجوع عنها في اطار وايقاع شديد السلاسة والعمق في آن واحد ومن خلال نماذج مختلفة ومشوهة من المجتمع
الأمر الذي جعل الفيلم يحقق عدة جوائز دولية علاوة على تمثيله لمصر في جوائز الأوسكار
تلك النماذج وغيرها رغم انها ليست بالكثيرة إلا أنها استطاعت أن تقضي على فزاعة الفيلم الجماهيري ليس بفني، والفيلم الفني ليس بجماهيري
وأكدت ان الاثنان وجهان لعملة واحدة غير قابلة للانفصال.!!