بقلم: أحمد ونيس المكي
سأفتتح مقالتي هذه بالسؤال التالي: “هل هناك محاولات حثيثة لجعل الليبيون أقلية في بلادهم؟” سؤال بريء، ربما هو كذلك وربما لا.. ولكن الإجابة عليه ضرورية لطرح ما يحدث على طاولتنا العرجاء.
عرف الإنسان الاستقرار عندما ارتبط بالأرض، تحديدا عندما اكتشف الزراعة. الأرض كمورد، واقتصاد وملكية؛ دفعته إلى الاستقرار في المكان. فأسس المدن، وابتكر الأسواق لتبادل المصالح والسلع وتصريف ما تنتجه الأرض من محاصيل.
بتتبع موجات هجرة الانسان وانتقاله عبر التاريخ، نجد أن الترحال كان هو الأصل بالنسبة لنا كبشر، وأن الاستقرار هو الاستثناء الذي كان يحدث عادةً حين نعثر في المكان على ما كنا نشد رحالنا بحثاً عنه: القوت والماء.
في تلك المرحلة من مسيرتنا البشرية على الأرض كانت دوافعنا مفهومة وواضحة، تتمثل في الاحتياجات الأولية؛ البسيطة. أما الآن، فإن الأمر أزداد تعقيداً وأصبح هناك دوافع تحقيق الذات، جمع المال، والرغبة الملحة في النجاح المستمر.
وعبر آلاف السنين، كان البشر مرغمين بصورة دائمة على تغيير مكانهم الجغرافي، جراء الجفاف، موات الأراضي وقلة الموارد، وبسبب الطموح والرغبة في الحصول على حياة مرضية، وهو ما يقابله عادةً قلة الفرص بالمكان المراد مغادرته والرحيل عنه.
لا يخفى عن أحدٍ أن 6 مليون نسمة (بحسب اخر تعداد سكاني)، يعيشون فوق 1.8 مليون كيلو متر مربع، بلا شك سيكونون مطمعاً ومحلاً للحسد والنظر في محيط مكتظ بالبشر؛ يضم ما يجاوز الـ 250 مليون إنسان.
البقاء بدلاً من العبور!
يقف الليبيون فوق قارة مترامية الأطراف بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني. فأمام هذا الثبات العددي، البطيء من حيث النمو منذ سنوات، فإن الليبيون إزاء خطر وجودي داهم، الأمر الذي قد يتحول إلى فرصة ديمغرافية سانحة لغيرهم بالتمدد والاندماج في أرض الموارد البكر.
ما دفعنا لطرح سؤال الديمغرافيا هو النشاط المتزايد فوق الجغرافيا، إذ لوحظ في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عدد المهاجرين داخل البلاد، وأغلب هؤلاء من الذين فشلوا في الوصول إلى الشاطئ الجنوبي لأوروبا، فاختاروا البقاء والاستقرار في ليبيا! لما لا، والساحل الليبي الممتد على مساحة 2000 كيلو متر؛ يشبه المناخ الأوروبي، حيث يلتقي معه في الهوية المتوسطية، إضافة إلى النظم الغذائية بشكل عام.
مزاحمة اقتصادية
2.3 مليون هو عدد الموظفين بالقطاع العام بالدولة الليبية. ولأن المواطن الليبي هو (إنسان يرتبط بمرتبه)، فإن اشتعال الإقليم والعالم بحروب ومواجهات ودامية، ووسط ما يمر به الاقتصاد العالمي من أزمات خانقة ترمي بظلالها على حياتنا عبر تناوب مستمر بين تضخم، وركود، وركود تضخمي، فإن كل ذلك يؤثر على القوة الشرائية للدينار؛ ما يعني مزيد من العوز والفقر وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين.
إن كل ما سبق، يضاف إليه تزايد معدلات دخول المهاجرين الأجانب باعتبارهم طلب يقتفي أثر المعروض بالسوق الليبي، الأمر الذي يعني زيادة التضخم، واستنزاف العملة الصعبة والمحلية – في اقتصاد ريعي كفافي- أقر أغلب مختصو الاقتصاد بتشوهه البنيوي.
وداعاً للجنسية والحدود
وعن المستقبل القريب، وفيما يخص مجال دراسات القانون الدولي الخاص (الجنسية وأحوال الأجانب وتنازع القوانين)؛ هناك موضوع مطروح على طاول النقاش القانوني منذ سنوات في العالم، ألا وهو “الجنسية والحدود” وفيه تذهب أغلب آراء البُحاث والمهتمين إلى أن:
موت الجنسية، وزوال الحدود على المستوى الكوكبي ماهي إلا مسألة وقت فقط، حتى يصبح كل ذلك شيئا من الماضي، ويتحول المفهومان التنظيميان إلى أمثلة تشريعية تقع ضمن تاريخ النظم القانونية.أن
وما بين هذا وذاك، تنفتح مسارات الأسئلة على عدد غير محدودة من الاحتمالات والأجوبة، فهل سيكون المستقبل مؤكداً للتوقعات الواردة في هذه المقالة؟ أم مفنداً لها؟
ننتظر لنرى.